قمة طهران- سوريا والحرب الأوكرانية ومصالح ثلاثية في مرمى الأحداث

المؤلف: د. سعيد الحاج08.07.2025
قمة طهران- سوريا والحرب الأوكرانية ومصالح ثلاثية في مرمى الأحداث

حظيت القمة الثلاثية التي انعقدت في طهران يوم الثلاثاء الماضي، والتي جمعت قادة كل من إيران وتركيا وروسيا، باهتمام بالغ على المستويين السياسي والإعلامي. هذا الاهتمام يعزى إلى الظروف المحيطة بالقمة، وتوقيتها الحساس، بالإضافة إلى الملفات الهامة التي كانت مطروحة على جدول أعمالها، وعلى رأسها الوضع في سوريا، وبالأخص العملية العسكرية التي تهدد بها أنقرة في الآونة الأخيرة.

السياق

على مر السنوات المنصرمة، لم تشهد أي قمة جمعت بين الرئيس بوتين والرئيس أردوغان والرئيس الإيراني مثل هذا القدر من الاهتمام الذي حظيت به قمة طهران الأخيرة. هذه القمة، التي تعتبر السابعة ضمن مسار أستانا، هي الأولى من نوعها التي تجمع الرؤساء الثلاثة وجهاً لوجه منذ بداية جائحة كورونا، وتمثل أيضاً الزيارة الخارجية الأولى للرئيس الروسي منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية.

وقد انعقدت القمة في ظل تطورات ذات أهمية قصوى للدول الثلاث. فإيران تخوض منذ فترة طويلة مفاوضات بشأن برنامجها النووي، تشهد تقدماً وتراجعاً على حد سواء، بالإضافة إلى المواجهة العلنية التي نشبت مؤخراً بينها وبين دولة الاحتلال. أما روسيا، فهي في صراع مفتوح مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) على خلفية الحرب في أوكرانيا، ويشتمل هذا الصراع على تسليح أوكرانيا ودعمها وفرض عقوبات على موسكو، وحتى التفاوض بشأن أزمة تصدير الحبوب. وفي الوقت نفسه، تلوح تركيا بشن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا بهدف استكمال إنشاء منطقة آمنة هناك، وتواصل اتصالاتها مع الأطراف المعنية بهذا الأمر، بما في ذلك موسكو وطهران.

بالإضافة إلى ذلك، تأتي القمة عقب الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة، والقمة التي عقدها في جدة مع قادة تسع دول عربية، وذلك في إطار جهوده لتعزيز التعاون مع هذه الدول في مجال أمن الطاقة (خاصة في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية) وزيادة مستوى اندماج دولة الاحتلال في المنطقة.

وتزامنت القمة أيضاً مع الانتقادات الأميركية لما اعتبرته زيادة في وتيرة التعاون العسكري بين روسيا وإيران في الآونة الأخيرة، وكذلك الموقف التركي من انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، حيث سحبت تركيا اعتراضها مقابل التزامات من البلدين فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب.

الجدير بالذكر أن الحديث عن القمة الثلاثية قد بدأ على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال زيارته لأنقرة في الشهر الماضي، وذلك تعقيباً على نية تركيا شن عملية عسكرية جديدة في سوريا، في ما بدا وكأنه رغبة روسية في مناقشة الأمر في إطار أستانا، على الرغم من بعض التصريحات التي فُهمت على أنها موافقة ضمنية عليها.

أكد بوتين "ضرورة عودة جميع المناطق إلى سيادة سوريا"، وحذر رئيسي من "وجود خطوات تتضارب مع السيادة السورية"، بل إن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية خامنئي قال إن العملية التركية "ستضر بتركيا وسوريا والمنطقة"، وهو ما عده البعض تحذيرا أو تهديدا مبطنا من طهران لأنقرة.

المخرجات

استضافت العاصمة الإيرانية طهران -خلال يوم واحد- اجتماعات ثنائية بين الدول الثلاث، تلتها قمة ثلاثية بين رؤسائها. وقد تضمن جدول الأعمال العديد من الملفات الهامة، وفي مقدمتها القضية السورية، وبالتحديد العملية التركية المحتملة، والأزمة الروسية الأوكرانية، وأزمة تصدير الحبوب الأوكرانية، والعلاقات الثنائية بين الدول الثلاث، وبالتأكيد قضايا إقليمية أخرى ذات أهمية.

على صعيد العلاقات الثنائية، عقدت تركيا وإيران الدورة السابعة لمجلس التعاون الاقتصادي رفيع المستوى بينهما، والتي شهدت توقيع ثماني اتفاقيات بين البلدين في مختلف القطاعات، ولكن لا يعتبر أي منها اختراقاً كبيراً في العلاقات الثنائية.

التصريحات التي أدلى بها رؤساء الدول الثلاث قبل القمة وبعدها تشير إلى أنها كانت قمة لتأكيد المواقف السابقة. فقد جددت أنقرة التأكيد على حقها في مكافحة الإرهاب، وأن العملية العسكرية في شمال سوريا لا تزال مطروحة على جدول أعمالها، حيث صرح أردوغان قائلاً: "سنواصل قريباً قتالنا ضد المنظمات الإرهابية".

في المقابل، كررت كل من موسكو وطهران الدعوة إلى تهدئة المخاوف الأمنية التركية، ولكن ضمن "إطار سياسي". فقد أكد الرئيس بوتين على "ضرورة عودة جميع المناطق إلى سيادة سوريا"، وحذر الرئيس رئيسي من "وجود خطوات تتعارض مع السيادة السورية". بل إن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية خامنئي صرح بأن العملية التركية "ستضر بتركيا وسوريا والمنطقة"، وهو ما اعتبره البعض تحذيراً أو تهديداً مبطناً من طهران لأنقرة.

ونتيجة لذلك، جاء البيان الختامي للقمة -كغيره من البيانات السابقة- فضفاضاً وقابلاً للتأويل، بحيث يمكن أن يخدم سردية كل دولة من الدول الثلاث على حدة. فقد أكد البيان على التزام الدول الضامنة الثلاث بسيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، وأدان "الوجود المتزايد وأنشطة المنظمات الإرهابية وأذرعها في مختلف مناطق سوريا"، ورفض "جميع المحاولات لخلق حقائق جديدة على الأرض السورية… بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي غير القانونية، والتصميم على الوقوف في وجه الأجندات الانفصالية التي تهدف إلى تقويض سيادة ووحدة أراضي سوريا وتهديد الأمن القومي للدول المجاورة".

في المحصلة، وفيما يتعلق بالملف الأهم وهو الوضع في سوريا، لا يبدو أن تركيا قد تمكنت من إقناع شركائها بالموافقة على العملية العسكرية المزمعة، على الرغم من أنهم أبدوا تفهماً لمتطلبات أمنها القومي، فضلاً عن المصلحة الواضحة لكل من روسيا وإيران في زيادة الخلاف بين أنقرة والولايات المتحدة.

يعيدنا هذا إلى فكرة أن مسار أستانا قد استنفد القسم الأكبر من الأهداف التي أنشئ من أجلها، ولم يعد هناك الكثير مما يمكن أن تتفق عليه الأطراف الثلاثة. فما تبقى يقع في الغالب ضمن مساحات الخلاف والتنافس بينها. وبالتالي، فإن الفائدة الأبرز لمسار أستانا في الآونة الأخيرة هي منع التصادم بين القوى الثلاث.

لذلك، هناك تقييم منطقي يشير إلى أن الدلالة الأبرز للقمة الثلاثية كانت رسالة موجهة من الرئيس بوتين إلى الغرب عموماً -والولايات المتحدة على وجه الخصوص- مفادها أن محاولات عزله قد باءت بالفشل وأن الحرب في أوكرانيا لا تشكل له تحدياً كبيراً، وذلك بدليل قيامه بهذه الزيارة الخارجية وعقد القمة مع دولة تعتبر خصماً لواشنطن وأخرى حليفة لها.

لكن ذلك لا يعني أن مسار أستانا لم يعد مهماً للدول الثلاث، بل ستظل تحافظ عليه وتهتم باستمراره، فهو أولاً يضمن إلى حد كبير عدم التصادم بينها مهما اختلفت الأهداف والتوجهات، هذا بالإضافة إلى المصالح المشتركة التي تجمع بين تركيا وروسيا وإيران. فالاقتصاد يمثل عنواناً بالغ الأهمية، خاصة في ظل الظروف العالمية الراهنة، وهذا المسار يفتح الباب أمام تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية وزيادة حجم التبادل التجاري بينها، وإمكانية التبادل التجاري بالعملات المحلية، خاصة وأن الدول الثلاث تتعرض لعقوبات أمريكية وغربية وإن بدرجات متفاوتة.

بالإضافة إلى ما سبق وتأثراً به، كان لافتاً التركيز هذه المرة على الاعتداءات "الإسرائيلية" في سوريا، حيث تضمن البيان الختامي إدانة الدول الثلاث "لاستمرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية في سوريا"، واعتبروها "انتهاكاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وسيادة سوريا ووحدة أراضيها"، إضافة إلى انتقاد رفض "إسرائيل" للقرارات الدولية المتعلقة بالجولان المحتل.

هذا البعد يؤكد الارتباط الوثيق للقمة الثلاثية في طهران بالتطورات الإقليمية والدولية التي تحيط بسياقها الزمني وقراءة الدول الثلاث لهذه التطورات، ولا سيما زيارة بايدن للمنطقة وقمة جدة من جهة، والموقف "الإسرائيلي" من الحرب الروسية الأوكرانية من جهة أخرى. ونتيجة لذلك، جاءت ردود الفعل الأمريكية و"الإسرائيلية" على القمة في سياق النقد والتخوف. فقد رأى منسق الأمن القومي للاتصالات الإستراتيجية في البيت الأبيض جون كيربي أن القمة تظهر عزلة بوتين، وأكد أن بلاده ستكثف العقوبات على روسيا. في حين عبّر رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست رام بن براك عن "خشية إسرائيل من أن يعوق التقارب الروسي الإيراني عملياتها في سوريا".

في الخلاصة، لم يصدر عن القمة أي موافقة علنية من روسيا وإيران على العملية العسكرية التركية، ولم يظهر أن أنقرة تعتزم التراجع عن خطتها. وبالتالي، لم تحسم القمة الملفات الخلافية، بل كررت المواقف السابقة، وهو أمر كان متوقعاً إلى حد كبير. ومع ذلك، فإن الإشارات التي صدرت عن القمة والتصريحات التي تلتها أكدت الأهمية التي توليها العواصم الثلاث للإطار الثلاثي الضامن، وذلك لما يجمعها من مصالح وتهديدات مشتركة أكثر مما يتعلق بالملف السوري بشكل مباشر.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة